فصل: قاعدة: من شك هل فعل شيئا أولا؟ فالأصل أنه لم يفعله.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***


المبحث السادس‏:‏ في شروط النية‏.‏

الأول‏:‏ الإسلام‏,‏ ومن ثم لم تصح العبادات من الكافر‏,‏ وقيل يصح غسله دون وضوئه وتيممه‏,‏ وقيل يصح الوضوء أيضا‏,‏ وقيل يصح التيمم أيضا‏,‏ ومحل الخلاف في الأصلي‏,‏ أما المرتد فلا يصح منه غسل ولا غيره‏,‏ كذا قال الرافعي‏,‏ لكن في شرح المهذب أن جماعة أجروا الخلاف في المرتد‏,‏ وخرج من ذلك صور‏:‏

الأولى‏:‏ الكتابية تحت المسلم‏,‏ يصح غسلها عن الحيض‏,‏ ليحل وطؤها بلا خلاف للضرورة‏,‏ ويشترط نيتها كما قطع به المتولي والرافعي في باب الوضوء وصححه في التحقيق‏,‏ كما لا يجزي الكافر العتق عن الكفارة إلا بنية العتق‏,‏ وادعى في المهمات أن المجزوم به في الروضة وأصلها‏,‏ في النكاح عدم الاشتراط‏,‏ وما ادعاه باطل‏,‏ سببه سوء الفهم‏,‏ فإن عبارة الروضة هناك‏,‏ إذا طهرت الذمية من الحيض والنفاس ألزمها الزوج الاغتسال‏,‏ فإن امتنعت أجبرها عليه واستباحها‏;‏ وإن لم تنو للضرورة‏,‏ كما يجبر المسلمة المجنونة‏,‏ فقوله ‏"‏وإن لم تنو‏"‏ بالتاء الفوقية‏,‏ عائد إلى مسألة الامتناع‏,‏ لا إلى أصل غسل الذمية‏,‏ وحينئذ لا شك في أن نيتها لا تشترط‏,‏ كالمسلمة المجنونة‏.‏ وأما عدم اشتراط نية الزوج عند الامتناع والمجنون‏,‏ أو عدم اشتراط نيتها في غير حال الإجبار‏,‏ فلا تعرض له في الكلام لا نفيا ولا إثباتا‏,‏ بل في قوله في مسألة الامتناع ‏"‏استباحها وإن لم تنو للضرورة‏"‏ ما يشعر بوجوب النية في غير حال الامتناع‏.‏ وعجبت للإسنوي كيف غفل عن هذا‏؟‏ وكيف حكاه متابعوه عنه ساكتين عليه‏؟‏ والفهم من خير ما أوتي العبد‏.‏

الثانية‏:‏ الكفارة تصح من الكافر‏,‏ ويشترط منه نيتها‏,‏ لأن المغلب فيها جانب الغرامات‏,‏ والنية فيها للتمييز لا للقربة‏,‏ وهي بالديون أشبه‏,‏ وبهذا يعرف الفرق بين عدم وجوب إعادتها بعد الإسلام ووجوب إعادة الغسل بعده‏.‏

الثالثة‏:‏ إذا أخرج المرتد الزكاة في حال الردة‏,‏ تصح وتجزيه‏.‏

الرابعة‏:‏ ذكر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني‏:‏ أنه يصح صوم الكافر في صورة‏,‏ وذلك إذا أسلم مع طلوع الفجر‏,‏ ثم إن وافق آخر إسلامه الطلوع فهو مسلم حقيقة ويصح منه النفل مطلقا‏,‏ قال‏:‏ ونظيرها من المنقول صورة المجامع‏,‏ يحس وهو مجامع بالفجر فينزع بحيث يوافق آخر نزعه الطلوع‏,‏ وإن وافق أول إسلامه الطلوع‏,‏ فهذا إذا نوى النفل صح على الأرجح‏.‏ ولا أثر لما وجد من موافقة أول الإسلام الطلوع‏,‏ كما ذكره الأصحاب في صورة أن يطلع وهو مجامع ويعلم بالطلوع في أوله‏,‏ فينزع في الحال أنه لا يبطل الصوم فيها على الأصح‏,‏ فحينئذ تلك اللحظة التي كانت وقت الطلوع هي المرادة بالتصوير وذلك قبل الحكم بالإسلام‏,‏ والأخذ في الإسلام ليس بقاء على الكفر‏,‏ كما أن النزع ليس بقاء على الجماع‏,‏ ولا يصح منه صوم الفرض والحالة هذه‏;‏ لأن التبييت شرط‏,‏ فإن بيت وهو كافر‏,‏ ثم أسلم كما صورنا‏.‏ قال‏:‏ فهل لهذه النية أثر‏؟‏ لم أر من تعرض لذلك‏,‏ ويجوز أن يقال‏:‏ الشروط لا تعتبر وقت النية كما قالوا في الحائض‏:‏ تنوي من الليل قبل انقطاع دمها‏,‏ ثم ينقطع الأكثر أو العادة‏,‏ فلا يحتاج إلى التجديد‏,‏ ويجوز أن يقال‏:‏ يعتبر شرط الإسلام وقت النية‏;‏ لأن المعتادة على يقين من الانقطاع لأكثر الحيض‏,‏ وعلى ظن قوي للعادة بظهورها‏,‏ وليس في إسلام الكافر يقين ولا ظاهر‏,‏ فكان مترددا حال النية‏,‏ فيبطل الجزم‏,‏ كما إذا لم يكن لها عادة أو لها عادة مختلفة‏,‏ ولو اتفق الطهر بالليل لعدم الجزم‏.‏

قال‏:‏ ومما يناظر ذلك‏:‏ ما إذا نوى سفر القصر وهو كافر فإنه تعتبر نيته‏,‏ فإذا أسلم في أثناء المسافة قصر على الأرجح‏.‏ ا هـ‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ التمييز‏:‏ فلا تصح عبادة صبي‏,‏ لا يميز ولا مجنون‏:‏ وخرج عن ذلك الطفل يوضئه الولي للطواف حيث يحرم عنه‏,‏ والمجنونة يغسلها الزوج عن الحيض‏,‏ وينوي على الأصح‏.‏

ومن فروع هذا الشرط‏:‏ مسألة عمدها في الجنايات هل هو عمد أو لا‏؟‏ لأنه لا يتصور منهما القصد‏,‏ وصححوا أن عمدهما عمد‏,‏ وخص الأئمة الخلاف بمن له نوع تمييز‏,‏ فغير المميز منهما عمده خطأ قطعا‏.‏

ونظير ذلك‏:‏ السكران لا يقضى عليه بالحدث حتى يستغرق دون أول النشوة‏,‏ وكذا حكم صلاته وسائر أفعاله‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ العلم بالمنوي‏:‏ قال البغوي وغيره‏:‏ فمن جهل فرضية الوضوء أو الصلاة لم يصح منه فعلها‏,‏ وكذا لو علم أن بعض الصلاة فرض ولم يعلم فرضية التي شرع فيها‏,‏ وإن علم الفرضية وجهل الأركان‏,‏ فإن اعتقد الكل سنة أو البعض فرضا والبعض سنة ولم يميزها لم تصح قطعا‏,‏ أو الكل فرضا فوجهان‏:‏ أصحهما الصحة لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض وذلك لا يؤثر‏.‏

وقال الغزالي‏:‏ الذي لا يميز الفرائض من السنن تصح عبادته‏,‏ بشرط أن لا يقصد التنفل بما هو فرض‏,‏ فإن قصده لم يعتد به‏,‏ وإن غفل عن التفصيل فنية الجملة كافية‏,‏ واختاره في الروضة‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ وغير الوضوء والصلاة في معناهما‏,‏ وقال في الخادم‏:‏ الظاهر أنه لا يشترط ذلك في الحج‏,‏ ويفارق الصلاة‏,‏ فإنه لا يشترط فيه تعيين المنوي‏;‏ بل ينعقد مطلقا ويصرفه بخلاف الصلاة‏,‏ ويمكن تعلم الأحكام بعد الإحرام بخلاف الصلاة‏,‏ ولا يشترط العلم بالفرضية‏;‏ لأنه لو نوى النفل انصرف إلى الفرض‏.‏

ومن فروع هذا الشرط‏:‏ ما لو نطق بكلمة الطلاق بلغة لا يعرفها وقال قصدت بها معناها بالعربية‏,‏ فإنه لا يقع الطلاق في الأصح‏,‏ وكذا لو قال‏:‏ لم أعلم معناها ولكن نويت بها الطلاق وقطع النكاح فإنه لا يقع‏,‏ كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها وقال‏:‏ أردت الطلاق ونظير ذلك لو قال‏:‏ أنت طالق طلقة في طلقتين وقال‏:‏ أردت معناه عند أهل الحساب‏;‏ فإن عرفه وقع طلقتان‏,‏ وإن جهله فواحدة في الأصح‏,‏ لأن ما لا يعلم معناه لا يصح قصده‏.‏

ونظيره أيضا‏:‏ أن يقول‏:‏ طلقتك مثل ما طلق زيد‏,‏ وهو لا يدري كم طلق زيد‏,‏ وكذا لو نوى عدد طلاق زيد ولم يتلفظ‏.‏

ونظير أنت طالق طلقة في طلقتين قول المقر‏:‏ له علي درهم في عشرة‏,‏ فإنه إن قصد الحساب يلزمه عشرة‏,‏ كذا أطلقه الشيخان هنا‏,‏ وقيده في الكفاية بأن يعرفه‏,‏ قال‏:‏ فإن لم يعرفه فيشبه لزوم درهم فقط‏.‏ وإن قال‏:‏ أردت ما يريده الحساب‏,‏ على قياس ما في الطلاق انتهى‏,‏ وقد جزم به في الحاوي الصغير‏.‏

ونظير طلقتك مثل ما طلق زيد‏:‏ بعتك بمثل ما باع به فلان فرسه‏,‏ وهو لا يعلم قدره فإن البيع لا يصح‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ أن لا يأتي بمناف فلو ارتد في أثناء الصلاة أو الصوم أو الحج أو التيمم بطل‏,‏ أو الوضوء أو الغسل لم يبطلا‏;‏ لأن أفعالهما غير مرتبطة ببعضها‏,‏ ولكن لا يحسب المغسول في زمن الردة‏;‏ ولو ارتد بعد الفراغ‏,‏ فالأصح أنه لا يبطل الوضوء والغسل ويبطل التيمم لضعفه‏;‏ ولو وقع ذلك بعد فراغ الصلاة أو الصوم أو الحج أو أداء الزكاة لم يجب عليه الإعادة‏.‏ وأما الأجر فإن لم يعد إلى الإسلام فلا يحصل له لأن الردة تحبط العمل وإن عاد فظاهر النص أنها تحبط أيضا‏;‏ والذي في كلام الرافعي أنها إنما تحبط إذا اتصلت بالموت‏;‏ بل في الأساليب لو مات مرتدا فحجه وعبادته باقية وتفيده المنع من العقاب‏;‏ فإنه لو لم يؤدها لعوقب على تركها ولكن لا تفيده ثوابا‏;‏ لأن دار الثواب الجنة وهو لا يدخلها وحكى الواحدي في تفسير سورة النساء خلافا في الكافر يؤمن ثم يرتد أنه يكون مطالبا بجميع كفره‏,‏ وأن الردة تحبط الإيمان السابق‏.‏ قال‏:‏ وهو غلط لأنه صار بالإيمان كمن لم يكفر فلا يؤاخذ به بعد أن ارتفع حكمه قال‏.‏ وهو نظير الخلاف في أن من تاب من المعصية ثم عاود الذنب‏,‏ هل يقدح في صحة التوبة الماضية‏؟‏ والمشهور‏:‏لا‏.‏

قلت‏:‏ ليس بنظيره بل بينهما بون عظيم لفحش أمر الردة فقد نص الله تعالى على أنها تحبط العمل‏;‏ بخلاف الذنب فإنه لا يحبط عملا وقد صح في الحديث في الكافر يسلم ‏"‏أنه إن أساء أوخذ بالأول والآخر‏"‏‏.‏

ومن نظائر ذلك‏:‏ أن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ومات على الردة كابن خطل لا يطلق عليه اسم الصحابي وأما من ارتد بعده ثم أسلم ومات مسلما كالأشعث بن قيس فقال الحافظ أبو الفضل العراقي‏:‏ في دخوله في الصحابة نظر‏;‏ فقد نص الشافعي وأبو حنيفة على أن الردة محبطة للعمل قال‏:‏ والظاهر أنها محبطة للصحبة السابقة قال‏:‏ أما من رجع إلى الإسلام في حياته كعبد الله بن أبي سرح فلا مانع من دخوله في الصحبة انتهى‏.‏ وفي البحر لو اعتقد صبي أبويه مسلمان الكفر وهو في الصلاة بطلت‏.‏ قال‏:‏ والذي كنت أقول‏:‏ صلاته صحيحة لأن ردته لم تصح ثم ظهر لي الآن بطلانها لأن اعتقاد الكفر إبطال لها فلو وقع ذلك في وضوء أو صوم فوجهان مبنيان على نية الخروج أو في حج أو عمرة لم يضر لأنه لا يبطل بنية الإبطال‏;‏ انتهى كلام صاحب البحر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏في نية القطع‏]‏

ومن المنافي‏:‏ نية القطع‏,‏ وفي ذلك فروع‏:‏

نوى قطع الإيمان والعياذ بالله تعالى صار مرتدا في الحال‏.‏

نوى قطع الصلاة بعد الفراغ منها‏,‏ لم تبطل بالإجماع‏,‏ وكذا سائر العبادات وفي الطهارة وجه لأن حكمها باق بعد الفراغ‏.‏

نوى قطع الصلاة أثناءها‏,‏ بطلت بلا خلاف‏;‏ لأنها شبيهة بالإيمان‏.‏

نوى قطع الطهارة أثناءها‏,‏ لم يبطل ما مضى في الأصح لكن يجب تجديد النية لما بقي‏.‏ نوى قطع الصوم والاعتكاف‏,‏لم يبطلا في الأصح لأن الصلاة مخصوصة من بين سائر العبادات بوجوه من الربط ومناجاة العبد ربه‏.‏

نوى الأكل أو الجماع في الصوم‏,‏ لم يضره‏.‏

نوى فعل مناف في الصلاة كالأكل والفعل الكثير‏,‏ لم تبطل قبل فعله‏.‏

نوى الصوم من الليل ثم قطع النية قبل الفجر‏,‏ سقط حكمها لأن ترك النية ضد النية بخلاف ما لو أكل بعدها لا تبطل‏,‏ لأن الأكل ليس ضدها‏.‏

نوى قطع الحج والعمرة لم يبطلا بلا خلاف‏;‏ لأنه لا يخرج منهما بالإفساد‏.‏

نوى قطع الجماعة بطلت‏,‏ ثم في الصلاة قولان‏:‏ إذا لم يكن عذر أصحهما لا تبطل وأما ثواب الجماعة لما سبق فيسقط‏,‏ كما صرح به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي واعتمده خاتمة المحققين الشيخ جلال الدين المحلي‏.‏

وأما الثواب في الصلاة والوضوء ونحوه إذا قلنا ببطلانه‏,‏ ففي شرح المهذب عن البحر لو نوى نية صحيحة وغسل بعض أعضائه ثم بطل في أثنائه بحدث أو غيره فهل له ثواب المفعول منه‏,‏ كالصلاة إذا بطلت في أثنائها أولا‏؟‏ لأنه مراد لغيره بخلاف الصلاة أو إن بطل بغير اختياره فله‏,‏ وإلا فلا احتمالات‏,‏ وظاهره‏:‏ أن الحصول في الصلاة متفق عليه‏.‏ نوى قطع الفاتحة‏,‏ فإن كان مع سكوت يسير بطلت القراءة في الأصح وإلا فلا‏.‏

نوى قطع السفر والإقامة‏,‏ فإن كان سائرا لم يؤثر لأن السير يكذبها‏,‏ كما في شرح المهذب‏.‏ وإن كان نازلا انقطع‏,‏ وكذا لو كان في مفازة لا تصلح للإقامة على الأظهر‏.‏ نوى الإتمام في أثناء الصلاة‏:‏ امتنع عليه القصر‏.‏

نوى بمال التجارة القنية‏:‏ انقطع حول التجارة ولو نوى بمال القنية التجارة لم يؤثر في الأصح‏.‏

نوى بالحلي المحرم استعمالا مباحا‏:‏ بطل الحول‏.‏

نوى بالمباح محرما أو كنزا‏:‏ ابتدأ حول الزكاة‏.‏

نوى الخيانة في الوديعة‏:‏ لم يضمن على الصحيح إلا أن يتصل به نقل من الحرز‏,‏ كما في قطع القراءة مع السكوت‏.‏

نوى أن لا يردها‏,‏ وقد طلبها المالك‏,‏ فيه الوجهان‏.‏

نوى الخيانة في اللقطة‏,‏ فيه الوجهان‏.‏

فرع‏:‏

ويقرب من نية القطع نية القلب‏,‏ قال في شرح المهذب‏:‏ قال الماوردي‏:‏ نقل الصلاة إلى أخرى أقسام‏:‏ أحدها‏:‏ نقل فرض إلى فرض فلا يحصل واحد منهما‏.‏ الثاني‏:‏ نقل نفل راتب إلى نفل راتب كوتر إلى سنة الفجر‏,‏ فلا يحصل واحد منهما‏.‏ الثالث‏:‏ نقل نفل إلى فرض فلا يحصل واحد منهما‏.‏ الرابع‏:‏ نقل فرض إلى نفل فهذا نوعان‏:‏ نقل حكم كمن أحرم بالظهر قبل الزوال جاهلا فيقع نفلا‏.‏ ونقل نية بأن ينوي قبله نفلا عامدا فتبطل صلاته‏,‏ ولا ينقلب نفلا على الصحيح‏,‏ فإن كان لعذر‏,‏ كأن أحرم بفرض منفردا ثم أقيمت جماعة‏,‏ فسلم من ركعتين ليدركها‏,‏ صحت نفلا في الأصح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏في عدم القدرة على المنوي‏]‏

ومن المنافي‏:‏ عدم القدرة على المنوي‏,‏ إما عقلا‏,‏ وإما شرعا‏,‏ وإما عادة‏,‏ فمن الأول‏:‏ نوى بوضوئه أن يصلي صلاة وأن لا يصليها‏:‏ لم يصح لتناقضه‏.‏

ومن الثاني‏:‏ نوى به الصلاة في مكان نجس‏,‏ قال في شرح المهذب عن البحر‏:‏ ينبغي أن لا يصح‏.‏

ومن الثالث‏:‏ نوى به صلاة العيد وهو في أول السنة أو الطواف وهو بالشام ففي صحته خلاف‏,‏ حكاه في الأول الروياني‏,‏ وفي الثاني بعض المصنفين‏,‏ وقربه من الخلاف فيمن أحرم بالظهر قبل الزوال‏.‏

قلت‏:‏ لكن الأصح الصحة‏,‏ كما جزم به في التحقيق‏,‏ وحكاه في شرح المهذب عن البحر وأقره‏.‏

نوى العبد أو الزوجة أو الجندي مسافة القصر‏,‏ وهم مع مالك أمرهم ولا يعرفون مقصده‏:‏ لم يقصر العبد ولا الزوجة لأنهما لا يقدران على ذلك‏,‏ إذ هما تحت قهر السيد والزوج‏,‏ بخلاف الجندي‏;‏ لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التردد وعدم الجزم‏]‏

ومن المنافي‏:‏ التردد وعدم الجزم‏.‏ وفيه فروع‏:‏

تردد‏:‏ هل يقطع الصلاة أو لا‏,‏ أو علق إبطالها على شيء بطلت‏,‏ وكذا في الإيمان‏.‏

تردد‏:‏ في أنه نوى القصر أو لا‏؟‏ وهل يتم‏,‏ أو لا‏؟‏ لم يقصر‏.‏

تيقن الطهارة وشك في الحدث فاحتاط وتطهر‏,‏ ثم بان أنه محدث لم يصح وعليه الإعادة في الأصح بخلاف ما لو شك في الطهارة‏,‏ وقد تيقن الحدث لأن معه أصلا‏,‏ وبخلاف ما لو شك في نجاسة فغسلها‏;‏ لأنها لا تحتاج إلى نية‏.‏

نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد عن رمضان‏,‏ إن كان منه‏,‏ فكان منه‏:‏ لم يقع عنه بخلاف ما لو وقع ليلة الثلاثين من رمضان‏,‏ لاستصحاب الأصل‏.‏ عليه فائتة‏,‏ فشك هل قضاها‏,‏ أو لا فقضاها ثم تيقنها‏:‏ لم تجزئه‏.‏

هجم فتوضأ بأحد الإناءين‏,‏ لم يصح وضوءه وإن بان أنه توضأ بالطاهر‏.‏

شك في جواز المسح على الخف‏,‏ فمسح ثم بان جوازه وجب إعادة المسح وقضى ما صلى به‏.‏

تيمم أو صلى أو صام شاكا في دخول الوقت‏,‏ فبان في الوقت‏,‏ لم تصح‏.‏

تيمم بلا طلب للماء‏,‏ ثم بان أن لا ماء‏:‏ لم يصح‏.‏

تيمم لفائتة ظنها عليه‏,‏ أو لفائتة الظهر‏,‏ فبانت العصر‏:‏ لم يصح‏.‏

صلى إلى جهة شاكا أنها القبلة‏,‏ فإذا هي هي‏:‏ لم تصح‏.‏

قصر شاكا في جواز القصر‏:‏ لم يصح وإن بان جوازه‏.‏

صلى على غائب ميت شاكا أنه من أهل الصلاة عليه‏,‏ فبان أنه من أهلها‏:‏ لم يصح‏.‏

صلى خلف خنثى‏,‏ فبان رجلا‏:‏ لم يسقط القضاء في الأظهر بخلاف ما لو عقد به النكاح فبان رجلا‏,‏ مضى على الصحة في الأظهر‏,‏ لأن المقصود فيه الحضور ولا نية يقع فيها التردد‏.‏

قال‏:‏ هذه زكاة أو صدقة‏:‏ لم تقع زكاة للتردد‏.‏

هذا عن مالي الغائب إن كان سالما وإلا فعن الحاضر‏,‏ أو صدقة فبان سالما أجزأه وإلا لم يجزه عن الحاضر للترديد فيه‏,‏ بخلاف ما سيأتي‏.‏

قال‏:‏ إن كان مورثي مات وورثت ماله فهذه زكاته‏,‏ فبان‏:‏ لم يجزه بلا خلاف‏;‏ لأنه لم يستند إلى أصل‏,‏ بخلاف مسألة الغائب‏;‏ لأن الأصل بقاؤه‏,‏ وبخلاف البيع‏,‏ فإنه لا يحتاج إلى نية‏.‏

عقب النية بالمشيئة‏,‏ فإن نوى التعليق بطلت‏;‏ أو التبرك فلا أو أطلق‏.‏ قال في الشافي تبطل‏;‏ لأن اللفظ موضوع للتعليق‏.‏

قال‏:‏ أصوم غدا إن شاء زيد‏,‏ لم يصح وإن شاء زيد‏,‏ أو إن نشطت فكذلك‏;‏ لعدم الجزم‏,‏ بخلاف ما لو قال‏:‏ ما كنت صحيحا مقيما‏,‏ فإنه يجزئه‏.‏

ذكر صور صحت فيها النية مع تردد أو تعليق

اشتبه عليه ماء وماء ورد‏:‏ لا يجتهد‏,‏ بل يتوضأ بكل مرة‏,‏ ويغتفر التردد في النية للضرورة‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ ويندفع التردد بأن يأخذ غرفة من هذا وغرفة من هذا‏,‏ ويغسل شقي وجهه وينوي حينئذ‏,‏ ثم يعكس المأخوذ والمغسول‏.‏

عليه صلاة من الخمس فنسيها فصلى الخمس‏;‏ ثم تذكرها قال في شرح المهذب‏:‏ لم أر فيه نقلا ويحتمل أن يكون على الوجهين فيمن تيقن الطهارة وشك في الحدث‏,‏ ويحتمل أن يقطع بأن لا تجب الإعادة‏;‏ لأنا أوجبناها عليه‏,‏ ففعلها بنية الواجب‏,‏ ولا نوجبها ثانيا‏,‏ بخلاف مسألة الوضوء‏,‏ فإنه تبرع به‏,‏ ولا يسقط به الفرض قال‏:‏ وهذا الاحتمال أظهر‏.‏

قلت‏:‏ صرح بالثاني في البحر‏.‏

ونظيره‏:‏ من صلى منفردا‏,‏ ثم أعاد مع جماعة‏,‏ ونوى الفرضية‏,‏ كما هو المشهور ثم بان فساد الأولى‏,‏ فإن الثانية تجزيه‏,‏ ولا يلزم الإعادة‏,‏ صرح به الغزالي في فتاويه‏.‏ عليه صوم واجب‏,‏ لا يدري هل هو من رمضان أو نذر‏,‏ أو كفارة‏,‏ فنوى صوما واجبا‏,‏ أجزأه‏,‏ كمن نسي صلاة من الخمس‏,‏ ويعذر في عدم جزم النية للضرورة‏,‏ نقله في شرح المهذب عن الصيمري‏,‏ وصاحب البيان‏;‏ وأقرهما‏.‏

وأما التعليق ففيه صور‏:‏ منها الحج‏,‏ بأن يقول مريد الإحرام‏:‏ إن كان زيد محرما فقد أحرمت‏,‏ فإن كان زيد محرما انعقد إحرامه‏,‏ وإلا فلا‏,‏ ولو علقه بمستقبل‏,‏ كقوله‏:‏ إذا أحرم زيد‏,‏ أو جاء رأس الشهر فقد أحرمت فالذي نقله البغوي وآخرون‏:‏ أنه لا يصح‏.‏

وذكر ابن القطان والدارمي والشاشي فيه وجهين‏:‏ أصحهما‏,‏ لا ينعقد‏,‏ قال الرافعي وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير تجويز هذا‏,‏ لأن التعليق موجود في الحالين‏,‏ إلا أن هذا تعليق بمستقبل وذاك تعليق بحاضر‏;‏ وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد ما ذكره القاضي أبو حامد‏:‏ أنه لو قال في إحرامه‏:‏ إن شاء الله‏.‏ انعقد سواء قصد التعليق أم لا فقيل له‏:‏ أليس لو قال لعبده‏:‏ أنت حر إن شاء الله‏,‏ صح استثناؤه فيه‏؟‏ فقال‏:‏ الفرق أن الاستثناء يؤثر في النطق‏,‏ ولا يؤثر في النيات‏,‏ والعتق ينعقد بالنطق‏,‏ فلذلك أثر الاستثناء فيه‏,‏ والإحرام ينعقد بالنية‏,‏ فلم يؤثر الاستثناء فيه فقيل له‏:‏ أليس لو قال لزوجته‏:‏ أنت خلية إن شاء الله‏,‏ ونوى الطلاق أثر الاستثناء فيه‏؟‏ فقال‏:‏ الفرق أن الكناية مع النية في الطلاق كالصريح فلهذا صح الاستثناء‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ والصواب أن الحكم فيه كسائر العبادات‏,‏ إن نوى التبرك‏,‏ انعقد وإلا فلا‏.‏ ومن صور التعليق في الحج‏:‏ لو أحرم يوم الثلاثين من رمضان‏,‏ وهو شاك‏,‏ فقال إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة‏,‏ أو من شوال فحج فكان شوالا‏,‏ كان حجا صحيحا‏,‏ نقله في شرح المهذب عن الدارمي‏,‏ وأقره‏.‏

ونظيره في الطهارة‏:‏ إن شك في الحدث‏,‏ فنوى الوضوء إن كان محدثا‏,‏ وإلا فتجديد صح‏,‏ نقله في شرح المهذب عن البغوي‏,‏ وأقره‏,‏ أو ينوي بوضوئه القراءة إن صح الوضوء لها‏,‏ وإلا فالصلاة‏.‏ صح‏,‏ نقله في شرح المهذب عن البحر‏.‏

وفي الصلاة‏:‏ شك في قصر إمامه‏,‏ فقال‏:‏ إن قصر قصرت‏,‏ وإلا أتممت‏,‏ فبان قاصرا قصر‏,‏ جزم به الأصحاب‏.‏

اختلط مسلمون بكفار‏,‏ أو شهداء بغيرهم‏:‏ صلى على كل واحد بنية الصلاة عليه‏,‏ إن كان مسلما أو غير شهيد‏.‏

عليه فائتة‏,‏ وشك في أدائها فقال‏:‏ أصلي عنها إن كانت‏,‏ وإلا فنافلة‏,‏ فبانت‏:‏ أجزأه‏.‏ نقله في شرح المهذب عن الدارمي‏.‏ قال‏:‏ بخلاف ما لو شك في دخول وقت الصلاة‏,‏ فنوى إن كانت دخلت فعنها وإلا فنافلة أو فائتة فإنه لا يجزيه بالاتفاق‏,‏ وبخلاف ما لو قال‏:‏ فائتة أو نافلة للترديد‏.‏

وفي الزكاة‏:‏ نوى زكاة ماله الغائب‏,‏ إن كان باقيا‏,‏ وإلا فعن الحاضر‏,‏ فبان باقيا أجزأه عنه‏,‏ أو تالفا أجزأه عن الحاضر‏.‏

قال‏:‏ إن كان سالما فعنه‏,‏ وإلا فتطوع‏,‏ فبان سالما‏:‏ أجزأه بالاتفاق‏.‏

وفي الصوم‏:‏ نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان فهو فرض‏,‏ وإن لم يكن فتطوع صحح السبكي والأسنوي‏:‏ أنه يصح ويجزيه‏,‏ ولا يضر هذا التعليق‏.‏ قلت‏:‏ وهو المختار‏,‏ والمرجح في أصل الروضة خلافه‏.‏

وفي الجمعة‏:‏ أحرم بالصلاة في آخر وقتها‏,‏ فقال‏:‏ إن كان الوقت باقيا فجمعة‏,‏ وإلا فظهر‏,‏ فبان بقاؤه‏,‏ ففي صحة الجمعة وجهان في شرح المهذب‏,‏ بلا ترجيح‏.‏

المبحث السابع‏:‏ في أمور متفرقة

اختلف الأصحاب‏:‏ هل النية ركن في العبادات‏,‏ أو شرط‏؟‏ فاختار الأكثر أنها ركن‏;‏ لأنها داخل العبادة‏.‏ وذلك شأن الأركان‏,‏ والشرط ما يتقدم عليها‏,‏ ويجب استمراره فيها‏,‏ واختار القاضي أبو الطيب وابن الصباغ أنها شرط‏,‏ وإلا لافتقرت إلى نية أخرى تندرج فيه‏.‏ كما في أجزاء العبادات فوجب أن تكون شرطا خارجا عنها‏,‏ والأولون انفصلوا عن ذلك بلزوم التسلسل‏.‏ واختلف كلام الغزالي في ذلك‏,‏ فعدها في الصوم ركنا وقال في الصلاة‏:‏ هي بالشروط أشبه‏,‏ ووقع العكس من ذلك في كلام الشيخين‏,‏ فإنهما عداها في الصلاة ركنا‏,‏ وقالا في الصوم‏:‏ النية شرط الصوم‏.‏ وهذا يمكن أن يكون له وجه من جهة أنها في الصوم متقدمة عليه‏.‏ وقال العلائي‏:‏ يمكن أن يقال‏:‏ ما كانت النية معتبرة في صحته‏,‏ فهي ركن فيه‏,‏ وما يصح بدونها‏,‏ ولكن يتوقف حصول الثواب عليها‏,‏ كالمباحات‏,‏ والكف عن المعاصي‏:‏ فنية التقرب شرط في الثواب‏.‏

تنبيه‏:‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدا‏,‏ ويبحث فيه كثيرا‏,‏ فإذا قيل له‏:‏ إنه النية‏,‏ اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه‏,‏ وشرط الشيء بغيره‏.‏ وإذا قيل له‏:‏ إنه التلبية اعترض عليه بأنها ليست بركن‏.‏

وعبارته في القواعد‏:‏ ومن المشكل قولهم‏:‏ إن الحج والعمرة ينعقدان بمجرد نية الإحرام‏,‏ من غير قول ولا فعل‏,‏ فإن أريد بالإحرام أفعال الحج‏,‏ لم يصح‏,‏ لأنه لم يتلبس بشيء منها وقت النية‏,‏ وإن أريد الانكفاف عن المحظورات‏,‏ لم يصح‏;‏ لأنه لو نوى الإحرام مع ملابسة المحظورات صح‏;‏ ولأنه لو كان كذلك لما صح إحرام من جهل وجوب الكف‏;‏ لأن الجهل به يمنع توجه النية إليه‏;‏ إذ لا يصح قصد ما يجهل حقيقته‏.‏ وفي التلقين لابن سراقة‏:‏ الإحرام النية بالحج والعزم على فعله‏,‏ وقال ابن عبدان‏:‏ الإحرام أن ينوي أنه قد أحرم‏.‏ وغلط بعض أصحابنا فجعل النية غير الإحرام وأشار به إلى ابن سريج‏,‏ حيث قال‏:‏ لا يتم الحج إلا بالنية للإحرام‏,‏ والإحرام

وعبارة التنبيه‏:‏ وينوي الإحرام بقلبه‏,‏ وهو يدل على أن النية غير الإحرام وذلك هو التحقيق‏,‏ فإنه لو أحرم إحراما مطلقا فله صرفه إلى ما شاء‏,‏ فالنية غير المنوي‏.‏

وقال النووي‏:‏ الإحرام‏:‏ نية الدخول في الحج أو العمرة‏.‏ قال ابن الرفعة‏:‏ وهذا التفسير يخرج الإحرام المطلق فالوجه أن يقال‏:‏ هو نية حج أو عمرة أو هما أو ما يصح لأحدهما‏,‏ وهو المطلق‏.‏

تنبيه آخر‏:‏ أجروا النية مجرى الشروط في مسألة‏:‏ وهي ما لو شك بعد الصلاة في تركها أو ترك الطهارة فإنه يجب الإعادة‏,‏ بخلاف ما لو شك في ترك ركن‏.‏ قال في شرح

المهذب‏:‏ والفرق أن الشك في الأركان يكثر لكثرتها‏,‏ بخلاف الشروط‏.‏ وقال في الروضة وشرح المهذب في الصوم‏:‏ لو شك الصائم في النية بعد الغروب فلا أثر له‏.‏

قاعدة

قال الرافعي‏,‏ وتبعه في الروضة‏:‏ النية في اليمين تخصص اللفظ العام‏,‏ ولا تعمم الخاص مثال الأول‏:‏ أن يقول‏:‏ والله لا أكلم أحدا‏,‏ وينوي زيدا‏.‏ ومثال الثاني‏:‏ أن يمن عليه رجل بما نال منه فيقول‏:‏ والله لا أشرب منه ماء من عطش‏,‏ فإن اليمين تنعقد على الماء من عطش خاصة‏,‏ ولا يحنث بطعامه وثيابه‏,‏ ولو نوى أن لا ينتفع بشيء منه‏,‏ ولو كانت المنازعة تقتضي ذلك‏;‏ لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ ما نوى‏,‏ بجهة يتجوز بها قال الأسنوي‏:‏ وفي ذلك نظر لأن فيه جهة صحيحة‏,‏ وهي إطلاق اسم البعض على الكل‏.‏

قاعدة مقاصد اللفظ على نية اللافظ‏,‏ إلا في موضع واحد‏,‏ وهو اليمين عند القاضي‏,‏ فإنها على نية القاضي دون الحالف‏,‏ إن كان موافقا له في الاعتقاد‏,‏ فإن خالفه‏,‏ كحنفي استحلف شافعيا في شفعة الجوار‏,‏ ففيمن تعتبر نيته‏؟‏ وجهان‏:‏ أصحهما‏:‏ القاضي أيضا‏.‏

وهذه فروع منثورة ومع نظير فأكثر لكل فرع فرع

فرع‏:‏

أدخل الجنب يده في الإناء بعد النية‏,‏ أو المحدث بعد غسل الوجه‏,‏ فإن نوى رفع الحدث صار مستعملا‏,‏ أو الاغتراف فلا أو أطلق فوجهان‏:‏ أصحهما يصير‏.‏ وله نظائر‏:‏

منها‏:‏ إذا عقب النية بالمشيئة‏,‏ فإن نوى التعليق بطلت‏,‏ أو التبرك فلا‏,‏ أو أطلق فوجهان‏:‏ أصحهما تبطل‏.‏

ومنها‏:‏ لو كان اسمها طالق‏,‏ أو حرة‏,‏ فقال‏:‏ يا طالق‏,‏ أو يا حرة‏,‏ فإن قصد الطلاق‏,‏ أو العتق حصلا‏,‏ أو النداء فلا‏,‏ وإن أطلق‏,‏ فوجهان‏,‏ لكن الأصح هنا عدم الحصول‏.‏

ومنها‏:‏ لو كرر لفظ الطلاق بلا عطف‏:‏ فإن قصد الاستئناف وقع الثلاث‏,‏ أو التأكيد فواحدة‏,‏ أو أطلق فقولان‏,‏ الأصح ثلاث‏.‏

ومنها‏:‏ قال‏:‏ أنت طالق طلقة في طلقتين‏,‏ فإن قصد الظرف فواحدة‏,‏ أو الحساب فثنتان‏,‏ أو أطلق فقولان أصحهما واحدة وكذا في الإقرار‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ أنت طالق‏,‏ وطالق وطالق وقصد الاستئناف‏,‏ أو تأكيد الأول بالثاني‏,‏ أو بالثالث‏:‏ فثلاث‏,‏ أو تأكيد الثاني بالثالث‏:‏ فثنتان‏,‏ أو أطلق فقولان‏:‏ أصحهما ثلاث وكذا في الإقرار‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ والله لا أجامع واحدة منكن‏,‏ فإن قصد الامتناع عن كل واحدة فمول من الكل‏,‏ أو واحدة فمول منها‏,‏ أو أطلق فوجهان أصحهما‏:‏ الحمل على التعميم‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ أنت علي كعين أمي فإن قصد الظهار فمظاهر‏,‏ أو الكرامة فلا‏,‏ أو أطلق فوجهان‏,‏ أصحهما‏:‏ لا شيء‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال لعلوي‏:‏ لست ابن علي وقال‏:‏ أردت‏:‏ لست من صلبه‏,‏ بل بينك وبينه آباء فلا حد أو قصد القذف حد‏,‏ وإن أطلق وقال لم أرد به شيئا لم يحد جزم به في زوائد الروضة‏.‏

ومنها‏:‏ إذا اتخذ الحلي بقصد استعماله في مباح‏,‏ لم تجب فيه الزكاة‏,‏ أو بقصد كنزه وجبت‏,‏ أو لم يقصد استعمالا ولا كنزا‏,‏ فوجهان‏:‏ أصحهما في أصل الروضة‏:‏ لا زكاة‏.‏ ومنها‏:‏ لو انكسر الحلي المباح‏,‏ بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحتاج إلى صوغ‏,‏ ويقبل الإصلاح بالإلحام‏,‏ فإن قصد جعله تبرا أو دراهم‏,‏ أو كنزه انعقد الحول عليه من يوم الانكسار‏.‏ وإن قصد إصلاحه فلا زكاة‏,‏ وإن تمادت عليه أحوال‏,‏ وإن لم يقصد هذا ولا ذاك فوجهان‏:‏ أرجحهما‏:‏ الوجوب‏.‏

ومنها‏:‏ مسح على الجرموق ووصل البلل إلى الأسفل‏,‏ فإن كان بقصد الأسفل صح أو الأعلى فقط فلا‏,‏ أو أطلق فوجهان الأصح‏:‏ الصحة‏.‏ وله حالة رابعة‏:‏ أن يقصدهما والحكم الصحة‏.‏

وله في ذلك نظيران‏:‏

أحدهما‏:‏ إذا نطق في الصلاة بنظم القرآن‏,‏ ولم يقصد سواه‏,‏ فواضح‏,‏ وإن قصد به التفهيم فقط‏,‏ بطلت‏,‏ وإن قصدهما معا لم تبطل‏,‏ وإن أطلق فوجهان‏:‏ الأصح البطلان‏.‏ الثاني‏:‏ إذا تلفظ الجنب بأذكار القرآن ونحوها‏,‏ فإن قصد القراءة فقط‏,‏ حرم‏,‏ أو الذكر فقط فلا‏,‏ وإن قصدهما حرم‏,‏ أو أطلق حرم أيضا‏,‏ بلا خلاف‏,‏ ويقرب من ذلك حمل المصحف في أمتعة‏,‏ فإنه إن كان هو المقصود بالحمل حرم‏,‏ وإن كان المقصود الأمتعة فقط‏,‏ أو هما‏,‏ فلا‏.‏

فرع‏:‏

إذا اقترنت نية الوضوء بالمضمضة أو الاستنشاق لم تصح إلا أن ينغسل معهما شيء من الوجه فتصح النية لكن لا يجزئ المغسول عن الوجه على الأصح‏;‏ لأنه لم يغسله بقصد أداء الفرض‏,‏ فتجب إعادته كذا في الروضة من زوائده‏,‏ وادعى في المهمات‏:‏ أن القول بالصحة وعدم إجزاء المغسول عن الفرض غير معقول‏.‏

قلت‏:‏ وجدت له نظيرا‏,‏ وهو ما إذا أحرم بالحج في غير أشهره‏,‏ فإنه ينعقد عمرة على الصحيح‏,‏ ولا تجزيه عن عمرة الإسلام‏,‏ على قول‏.‏ وعلى هذا فقد صححنا نية أصل الإحرام‏,‏ ولم نعتد بالمفعول عن الواجب‏,‏ وهذا نظير حسن‏,‏ لم أر من تفطن له‏.‏ ومن هنا انجر بنا القول إلى تأدي الفرض بنية النفل‏,‏ والأصل عدم إجزائه وفيه فروع‏:‏

أتى بالصلاة‏:‏ معتقدا أن جميع أفعالها سنة‏.‏

عطس‏,‏ فقال‏:‏ الحمد لله وبنى عليه الفاتحة‏.‏

سلم الأولى على نية الثانية‏,‏ ثم بان خلافه‏,‏ لم تحسب‏,‏ ولا خلاف في كل ذلك‏.‏ توضأ الشاك احتياطا‏,‏ ثم تيقن الحدث لم يجزئه في الأصح‏.‏

ترك لمعة‏,‏ ثم جدد الوضوء‏,‏ فانغسلت فيه‏.‏ لم تجزئه في الأصح‏.‏

اغتسل بنية الجمعة لا تجزيه عن الجنابة في الأصح‏.‏

ترك سجدة‏,‏ ثم سجد سجدة للتلاوة‏,‏ لا تجزئ عن الفرض في الأصح‏.‏

ذكر صور خرجت عن هذا الأصل فتأدى فيها الفرض بنية النفل‏.‏

قال النووي في شرح الوسيط‏:‏ ضابطها أن تسبق نية تشمل الفرض والنفل جميعا‏,‏ ثم يأتي بشيء من تلك العبادات‏,‏ ينوي به النفل‏,‏ ويصادف بقاء الفرض عليه‏.‏

قلت‏:‏ هذا الضابط منتقض طردا وعكسا‏,‏ كما يعرف من الأمثلة السابقة والآتية‏.‏

من ذلك‏:‏ جلس للتشهد الأخير‏,‏ وهو يظنه الأول‏,‏ ثم تذكر أجزأه‏.‏

نوى الحج‏,‏ أو العمرة‏,‏ أو الطواف تطوعا‏,‏ وعليه الفرض‏:‏ انصرف إليه‏,‏ بلا خلاف‏.‏

تذكر في القيام ترك سجدة‏,‏ وكان جلس بنية الاستراحة كفاه عن جلوس الركن في الأصح‏.‏

أغفل المتطهر لمعة‏,‏ وانغسلت بنية التكرار في الثانية والثالثة‏:‏ أجزأه في الأصح بخلاف ما لو انغسلت في التجديد لأن التجديد طهارة مستقلة‏,‏ لم ينو فيه رفع الحدث أصلا‏,‏ والثلاث طهارة واحدة‏,‏ وقد تقدمت فيه نية الفرض والنفل جميعا‏.‏ ومقتضى نيته‏:‏ أن لا يقع شيء عن النفل حتى يرتفع الحدث بالفرض‏.‏

قام في الصلاة الرباعية إلى ثالثة‏,‏ ثم ظن في نفسه أنه سلم‏,‏ وأن الذي يأتي به الآن صلاة نفل‏.‏ ثم تذكر الحال‏.‏ قال العلائي‏:‏ لم أر هذه المسألة بعينها والظاهر‏:‏ أن ذلك يجزيه عن الفرض‏,‏ كما في مسألة التشهد‏.‏ قال‏:‏ والمسألة منقولة عن المالكية‏,‏ وفيها عندهم قولان‏.‏ وكذلك لو سلم من ركعتين سهوا‏,‏ ثم قام‏,‏ فصلى ركعتين بنية النفل‏,‏ هل تتم الصلاة الأولى بذلك‏؟‏ وفيها عندهم قولان‏.‏ قال‏:‏ ولا شك أن الإجزاء في هذه أبعد من الأولى‏.‏

قلت‏:‏ المسألة الثانية منقولة في الروضة وغيرها‏.‏ قال في الروضة من زيادته‏:‏ لو سلم من صلاة‏,‏ وأحرم بأخرى‏,‏ ثم تيقن أنه ترك ركنا من الأولى‏:‏ لم تنعقد الثانية‏.‏ وأما الأولى فإن قصر الفصل بنى عليها‏,‏ وإن طال‏,‏ وجب استئنافها وكذا في شرح المهذب‏.‏

ومن الفروع‏:‏ ما قاله القاضي الحسين‏,‏ ونقله القمولي في الجواهر‏:‏ أنه لو قنت في سنة الصبح ظانا أنه الصبح‏,‏ فسلم وبان‏.‏ قال القاضي‏:‏ يبطل لشكه في النية‏,‏ وإتيان أفعال الصلاة على الشك يقتضي البطلان‏.‏ قلت‏:‏ ولا يخلو ذلك من نظر‏.‏ ثم رأيت صاحب الكافي توقف فيه‏:‏ قال‏:‏ فإن غايته أنه أخطأ وسها‏.‏ والخطأ في الصلاة لا يفسدها‏.‏

فرع‏:‏

لو دخل المسجد وقت الكراهة بقصد أن يصلي التحية كرهت له في الأصح‏.‏

ونظيره فيما ذكره النووي بحثا‏:‏ أن يقرأ آية السجدة في الصلاة بقصد أن يسجد فعلى هذا إذا سجد بطلت الصلاة‏.‏ ونازع في ذلك البلقيني وقال‏:‏ لا ينهى في قراءة آية السجدة في الصلاة ليسجد‏.‏ وذكر القاضي حسين أنه لا يستحب جمع آيات السجود وقراءتها دفعة واحدة من أجل السجود‏,‏ وذلك يقتضي جوازه‏.‏ ومنعه الشيخ عز الدين بن عبد السلام‏.‏ وأفتى ببطلان الصلاة‏.‏

ونظيره أيضا‏:‏ ما لو أخر الفائتة ليصليها في وقت الكراهة فإنه يحرم‏,‏ وقاس عليه في المهمات‏:‏ أن يؤخر قضاء الصوم‏,‏ ليوقعه يوم الشك‏.‏

ونظيره أيضا‏:‏ من سلك الطريق الأبعد‏,‏ بقصد القصر لا غير‏,‏ لا يقصر في الأصح‏.‏ ولو أحرم مع الإمام‏,‏ فلما قام إلى الثانية نوى مفارقته‏,‏ واقتدى بآخر قد ركع بقصد إسقاط الفاتحة قال الزركشي‏:‏ فيحتمل أن لا تصح القدوة لذلك‏.‏ قال‏:‏ وليس هذا كمن سافر لقصد القصر والفطر‏,‏ فإن هذا قاصد أصل السفر‏,‏ وذاك قاصد في أثناء السفر‏.‏

ونظير هذا‏:‏ أن يقصد بأصل الاقتداء تحمل الفاتحة وسجود السهو فإنه يحصل له ذلك‏.‏ وقد قال النووي وابن الصلاح‏,‏ فيمن حلف ليطأن زوجته في نهار رمضان‏:‏ الجواب فيها‏:‏ ما قاله أبو حنيفة‏,‏ لسائل سأله عن ذلك‏:‏ أنه يسافر‏.‏

فرع‏:‏

المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها‏,‏ إذا كانت نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها‏,‏ كما اختاره في الكفاية‏,‏ ونقل عن التلخيص للروياني قال في المهمات ونقله في البحر عن القفال‏,‏ وارتضاه‏,‏ وجزم به الماوردي في الحاوي‏,‏ والغزالي في الخلاصة‏,‏ وهو الحق انتهى‏.‏ واختار السبكي‏:‏ أن معتاد الجماعة إذا تركها لعذر يحصل له أجرها قال ابنه في التوشيح‏:‏ هذا أبلغ من قول الروياني من وجه‏,‏ ودونه من وجه فأبلغ من أنه لم يشترط فيه القصد‏,‏ بل اكتفى بالعادة السابقة‏,‏ ودونه من جهة أنه اشترط فيه العادة‏,‏ وممن اختار ذلك البلقيني أيضا‏.‏ والمصحح في شرح المهذب‏:‏ أنه لا يحصل له الأجر ولكن المختار الأول‏,‏ والأحاديث الصحيحة تدل لذلك‏.‏

ونظيره‏:‏ المعذور في ترك المبيت بمنى‏,‏ لا يلزمه دم‏,‏ ولو لا أنه نزل منزلة الحاضر لزمه الدم‏,‏ ويلزم من ذلك حصول الأجر له بلا شك‏.‏

وخرج البلقيني من ذلك‏:‏ أن الواقف لو شرط المبيت في خانقاه‏,‏ مثلا‏,‏ فبات من شرط مبيته خارجها لعذر‏:‏ من خوف على نفس‏,‏ أو زوجة‏,‏ أو مال‏,‏ أو نحوها لا يسقط من معلومه شيء ذكره في فتاويه‏.‏ قال‏:‏ وهو من القياس الحسن لم أسبق إليه‏.‏ ومن نظائر ذلك‏:‏ من حضر الوقعة وهو صحيح‏,‏ فعرض له مرض لم يبطل حقه من الإسهام له‏,‏ سواء كان مرجو الزوال أم لا‏,‏ على الأصح‏,‏ ومن تحيز إلى فئة قريبة ليستنجد بها يشارك الجيش فيما غنموه بعد مفارقته‏.‏

فرع‏:‏

ذكر الرافعي في الطلاق‏:‏ أنه إذا وطئ امرأتين واغتسل‏,‏ عن الجنابة‏,‏ وحلف أنه لم يغتسل عن الثانية لم يحنث‏.‏

ونظير ذلك‏:‏ ما ذكره في الأوائل‏:‏ أنه لو قال‏:‏ والله لا أغتسل عنك‏.‏ سألناه‏,‏ فإن قال‏:‏ أردت لا أجامعك فمول‏,‏ وإن قال‏:‏ أردت الامتناع من الغسل‏,‏ أو أني أقدم على وطئها وطء غيرها فيكون الغسل عن الأولى بحصول الجنابة بها قبل‏,‏ ولا يكون موليا‏.‏

وفي شرح التلخيص للسنجي‏:‏ لو أجنبت المرأة ثم حاضت واغتسلت‏,‏ وكانت حلفت أنها لا تغتسل عن الجنابة فالعبرة عندنا بالنية‏,‏ فإن نوت الاغتسال‏,‏ عنهما تكون مغتسلة عنهما وتحنث‏,‏ وإن نوت عن الحيض وحده لم تحنث لأنها لم تغتسل عن الجنابة‏,‏ وإن كان غسلها مجزيا عنهما معا‏.‏

فرع‏:‏

تقدم أن الأصح‏:‏ أن الطواف والسعي لا يشترط فيهما القصد وإنما يشترط عدم قصد غيرهما‏,‏ ولذلك نظائر‏:‏

منها‏:‏ هل يشترط قصد المشتري بقوله اشتريت‏:‏ الجواب‏,‏ أو الشرط أن لا يقصد الابتداء‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أصحهما الثاني‏.‏

ومنها‏:‏ الخمر المحترمة‏:‏ هي التي عصرت بقصد الخلية‏,‏ أو لا بقصد الخمرية‏,‏ عبارتان للرافعي‏,‏ ذكر الأولى في الرهن‏,‏ والثانية في الغصب‏,‏ فلو عصرت بلا قصد‏,‏ فمحترمة على الثانية‏,‏ دون الأولى‏.‏

ومنها‏:‏ هل يشترط في الوضوء الترتيب‏,‏ أو الشرط عدم التنكيس‏؟‏ وجهان‏:‏ الأصح‏:‏ الأول‏:‏ فلو غسل أربعة أعضاء معا صح على الثاني دون الأول‏.‏

ومنها‏:‏ هل يشترط الترتيب بين حجة الإسلام والنذر‏,‏ أو الشرط عدم تقديم النذر خلاف‏.‏ الأصح الثاني‏,‏ فلو استناب المعضوب رجلين‏,‏ فحجا في عام واحد‏,‏ صح على الثاني دون الأول‏.‏

ومنها‏:‏ هل يشترط في الوقف ظهور القربة‏,‏ أو الشرط انتفاء المعصية‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما‏:‏ الثاني‏,‏ فيصح على الأغنياء وأهل الذمة والفسقة على الثاني‏,‏ دون الأول وجزم في الوصية بالثاني‏.‏

ومنها‏:‏ هل يشترط في الوقف القبول‏,‏ أو الشرط عدم الرد‏؟‏ وجهان‏,‏ صحح الرافعي الأول‏,‏ ووافقه النووي في كتاب الوقف‏,‏ وصحح في السرقة من زوائد الروضة الثاني‏,‏ ويجريان في الإبراء‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الثاني على قول التمليك‏,‏ أما على قول الإسقاط فلا يشترط جزما‏.‏

ومنها‏:‏ إذا ضربت القرعة بين مستحقي القصاص‏,‏ فخرجت لواحد لم يجز له الاستيفاء إلا بإذن جديد‏,‏ وهل الإذن شرط‏,‏ أو الشرط عدم المنع‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما الأول‏.‏

ومنها‏:‏ المتصرف عن الغير شرطه أن يتصرف بالمصلحة أو الشرط عدم المفسدة‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما الأول فإذا استوت المصلحة والمفسدة لم يتصرف على الأول‏,‏ ويتصرف على الثاني‏.‏

ومنها‏:‏ المكره على الطلاق‏,‏ هل يشترط قصد غيره بالتورية أو الشرط أن لا يقصده‏؟‏ وجهان أصحهما الثاني‏,‏ وأجراهما الماوردي وغيره في الإكراه على كلمة الكفر‏.‏

ومنها‏:‏ من أقر لغيره بشيء هل يشترط تصديقه‏,‏ أو الشرط عدم تكذيبه‏؟‏ وجهان‏,‏ والأصح في الروضة الثاني‏.‏

لطيفة‏:‏

لهذه النظائر نظائر في العربية ويحضرني منها مسألة في باب ما لا ينصرف‏,‏ وهو أن ‏"‏فعلان‏"‏ الوصف‏.‏ هل يشترط في منع صرفه وجود ‏"‏فعلى‏"‏ أو الشرط انتفاء ‏"‏فعلانة‏؟‏ قولان‏,‏ أصحهما الثاني‏,‏ فعلى الأول يصرف نحو ‏"‏رحمن‏,‏ ولحيان‏"‏ وعلى الثاني‏:‏ لا‏.‏

تنبيه‏:‏

اشتملت قاعدة ‏"‏الأمور بمقاصدها‏"‏ على عدة قواعد‏,‏ كما تبين ذلك مشروحا وقد أتينا على عيون مسائلها وإلا فمسائلها لا تحصى‏,‏ وفروعها لا تستقصى‏.‏

خاتمة‏:‏

تجري قاعدة ‏"‏الأمور بمقاصدها‏"‏ في علم العربية أيضا‏,‏ فالأول ما اعتبر ذلك في الكلام‏,‏ فقال سيبويه والجمهور‏:‏ باشتراط القصد فيه‏,‏ فلا يسمى كلاما ما نطق به النائم والساهي‏,‏ وما تحكيه الحيوانات المعلمة‏.‏ وخالفه بعضهم‏,‏ فلم يشترطه‏,‏ وسمى كل ذلك كلاما واختاره أبو حيان‏.‏

وفرع على ذلك من الفقه‏:‏ ما إذا حلف لا يكلمه‏,‏ فكلمه نائما‏,‏ أو مغمى عليه فإنه لا يحنث‏.‏ كما جزم به الرافعي قال‏:‏ وإن كلمة مجنونا ففيه خلاف والظاهر تخريجه على الجاهل ونحوه‏,‏ وإن كان سكران‏,‏ حنث في الأصح‏,‏ إلا إذا انتهى إلى السكر الطافح‏:‏ هذه عبارته‏.‏

ولو قرأ حيوان آية سجدة قال الأسنوي‏:‏ فكلام الأصحاب مشعر بعدم استحباب السجود لقراءته‏,‏ ولقراءة النائم والساهي أيضا‏.‏

ومن ذلك‏:‏ المنادى النكرة إن قصد نداء واحد بعينه تعرف‏,‏ ووجب بناؤه على الضم‏,‏ وإن لم يقصد‏,‏ لم يتعرف‏,‏ وأعرب بالنصب‏.‏ ومن ذلك‏:‏ أن المنادى المنون للضرورة يجوز تنوينه بالنصب والضم فإن نون بالضم جاز ضم نعته ونصبه‏,‏ أو بالنصب تعين نصبه لأنه تابع لمنصوب لفظا ومحلا فإن نون مقصور نحو ‏"‏يا فتى‏"‏ بني النعت على ما نوي في المنادى فإن نوي فيه الضم جاز الأمران‏,‏ أو النصب تعين‏.‏ ذكر هذه المسألة أبو حيان في كتابيه‏:‏ الارتشاف‏,‏ وشرح التسهيل‏.‏

ومن ذلك‏:‏ قالوا‏:‏ ما جاز إعرابه بيانا جاز إعرابه بدلا وقد استشكل‏:‏ بأن البدل في نية سقوط الأول والبيان بخلافه‏:‏ فكيف تجتمع نية سقوطه وتركها في تركيب واحد‏؟‏ فأجاب رضي الدين الشاطبي بأن المراد أنه مبني على قصد المتكلم‏,‏ فإن قصد سقوطه وإحلال التابع محله‏,‏ أعرب بدلا‏,‏ وإن لم يقصد ذلك‏,‏ أعرب بيانا‏.‏

ومن ذلك‏:‏ العلم المنقول من صفة‏,‏ إن قصد به لمح الصفة المنقول منها‏,‏ أدخل فيه ‏"‏أل‏"‏ وإلا فلا‏.‏

وفروع ذلك كثيرة‏,‏ بل أكثر مسائل علم النحو مبنية على القصد‏.‏

وتجري أيضا هذه القاعدة في العروض فإن الشعر عند أهله‏:‏ كلام موزون مقصود به ذلك‏:‏ أما ما يقع موزونا اتفاقا‏,‏ لا عن قصد من المتكلم‏,‏ فإنه لا يسمى شعرا‏,‏ وعلى ذلك خرج ما وقع في كلام الله تعالى كقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏}‏ أو رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله‏:‏ ‏"‏هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت‏"‏‏.‏

القاعدة الثانية‏:‏ اليقين لا يزال بالشك

ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه‏,‏ أخرج منه شيء أم لا‏؟‏ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا‏"‏ رواه مسلم من حديث أبي هريرة‏.‏ وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال‏:‏ ‏"‏لا ينصرف حتى يسمع صوتا‏,‏ أو يجد ريحا‏"‏ وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وابن عباس‏.‏ وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا شك أحدكم في صلاته‏,‏ فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا‏؟‏ فليطرح الشك‏,‏ وليبن على ما استيقن‏"‏‏.‏

وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إذا سها أحدكم في صلاته‏,‏ فلم يدر‏:‏ واحدة صلى‏,‏ أم اثنتين‏؟‏ فليبن على واحدة فإن لم يتيقن‏:‏ صلى اثنتين‏,‏ أم ثلاثا‏؟‏ فليبن على اثنتين‏,‏ فإن لم يدر‏:‏ أثلاثا صلى أم أربعا‏؟‏ فليبن على ثلاث‏,‏ وليسجد سجدتين قبل أن يسلم‏"‏‏.‏

اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه‏,‏ والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر‏,‏ ولو سردتها هنا لطال الشرح ولكني أسوق منها جملة صالحة فأقول‏:‏

يندرج في هذه القاعدة عدة قواعد‏:‏

منها‏:‏ قولهم‏:‏ ‏"‏الأصل بقاء ما كان على ما كان‏"‏‏.‏

فمن أمثلة ذلك‏:‏ من تيقن الطهارة‏,‏ وشك في الحدث فهو متطهر‏.‏ أو تيقن في الحدث وشك في الطهارة فهو محدث‏.‏

ومن فروع الشك في الحدث أن يشك هل نام أو نعس‏؟‏ أو ما رآه رؤيا‏,‏ أو حديث نفس‏؟‏ أو لمس محرما أو غيره‏؟‏ أو رجلا أو امرأة‏؟‏ أو بشرا أو شعرا‏؟‏ أو هل نام ممكنا أو لا‏؟‏ أو زالت إحدى أليتيه‏,‏ وشك‏:‏ هل كان قبل اليقظة أو بعدها‏؟‏ أو مس الخنثى أحد فرجيه‏,‏ ثم مس مرة ثانية وشك‏:‏ هل الممسوس ثانيا‏:‏ الأول‏,‏ أو الآخر‏؟‏ ومن ذلك‏:‏ عدم النقض بمس الخنثى‏,‏ أو لمسه أو جماعه‏.‏

ومن ذلك‏:‏ مسألة‏:‏ من تيقن الطهارة أو الحدث‏,‏ وشك في السابق‏:‏ والأصح أنه يؤمر بالتذكر فيما قبلهما‏,‏ فإن كان محدثا فهو الآن متطهر‏;‏ لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في انتقاضها‏;‏ لأنه لا يدري‏:‏ هل الحدث الثاني قبلها‏,‏ أو بعدها‏؟‏ وإن كان متطهرا فإن كان يعتاد التجديد‏,‏ فهو الآن محدث‏,‏ لأنه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة‏,‏ وشك في زواله‏;‏ لأنه لا يدري‏:‏ هل الطهارة الثانية متأخرة عنه‏,‏ أم لا‏؟‏ بأن يكون والى بين الطهارتين‏.‏

ونظير ذلك‏:‏ ما لو علمنا لزيد على عمرو ألفا‏,‏ فأقام عمرو بينة بالأداء أو الإبراء‏,‏ فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف مطلقا‏,‏ لم يثبت بهذه البينة شيء‏;‏ لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الألف الذي علمنا وجوبه‏,‏ وقامت البينة بإبرائه‏,‏ فلا نشغل ذمته بالاحتمال‏.‏

وفرع في البحر على قولنا‏:‏ ‏"‏يأخذ بالضد‏"‏ فرعا حسنا‏:‏ وهو ما إذا قال‏:‏ عرفت قبل هاتين الحالتين حدثا وطهرا أيضا‏,‏ ولا أدري أيهما السابق‏؟‏ قال‏:‏ فيعتبر ما كان قبلهما أيضا‏,‏ ونأخذ بمثله‏,‏ بعكس ما تقدم‏,‏ وهو في الحقيقة ضد هذه الحالة‏.‏ قال في الخادم‏:‏ والحاصل أنه في الأوتار يأخذ بضد ما قبله‏,‏ وفي الأشفاع يأخذ بمثله‏.‏

شك في الطاهر المغير للماء‏:‏ هل هو قليل‏,‏ أو كثير‏؟‏ فالأصل بقاء الطهورية‏.‏

أحرم بالعمرة‏,‏ ثم بالحج‏,‏ وشك‏:‏ هل كان أحرم بالحج قبل طوافها‏,‏ فيكون صحيحا‏,‏ أو بعده فيكون باطلا‏؟‏ حكم بصحته‏.‏

قال الماوردي‏:‏ لأن الأصل جواز الإحرام بالحج‏,‏ حتى يتيقن أنه كان بعده قال وهو كمن تزوج وأحرم ولم يدر‏,‏ هل أحرم قبل تزوجه أو بعده‏؟‏ فإن الشافعي نص على صحة نكاحه‏;‏ لأن الأصل عدم الإحرام ونص فيمن وكل في النكاح‏,‏ ثم لم يدر‏:‏ أكان وقع عقد النكاح بعد ما أحرم‏,‏ أو قبله‏؟‏ أنه صحيح أيضا‏.‏

أحرم بالحج‏,‏ ثم شك‏:‏ هل كان في أشهر الحج‏,‏ أو قبلها‏؟‏ كان حجا لأنه على يقين من هذا الزمان‏,‏ وعلى شك من تقدمه‏,‏ ذكره في شرح المهذب‏.‏

أكل آخر الليل‏,‏ وشك في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل‏,‏ وكذا في الوقوف‏.‏

أكل آخر النهار‏,‏ بلا اجتهاد وشك في الغروب بطل صومه لأن الأصل بقاء النهار‏.‏

نوى ثم شك‏:‏ هل طلع الفجر أم لا‏؟‏ صح صومه بلا خلاف‏.‏

تعاشر الزوجان مدة مديدة‏;‏ ثم ادعت عدم الكسوة والنفقة‏,‏ فالقول قولها لأن الأصل بقاؤهما في ذمته‏,‏ وعدم أدائهما‏.‏

زوج الأب ابنته‏,‏ معتقدا بكارتها‏,‏ فشهد أربع نسوة بثبوتها عند العقد لم يبطل لجواز إزالتها بأصبع أو ظفر‏,‏ والأصل البكارة‏.‏

اختلف الزوجان في التمكين‏,‏ فقالت‏:‏ سلمت نفسي إليك من وقت كذا‏,‏ وأنكر‏,‏ فالقول قوله لأن الأصل عدم التمكين‏.‏

ولدت وطلقها‏,‏ فقال‏:‏ طلقت بعد الولادة‏,‏ فلي الرجعة‏,‏ وقالت‏:‏ قبلها فلا رجعة‏.‏ ولم يعينا وقتا للولادة ولا للطلاق فالقول قوله‏;‏ لأن الأصل بقاء سلطنة النكاح‏,‏ فإن اتفقا على يوم الولادة‏,‏ كيوم الجمعة وقال‏:‏ طلقت يوم السبت وقالت‏:‏ الخميس‏:‏ فالقول قوله‏;‏ لأن الأصل بقاء النكاح يوم الخميس‏,‏ وعدم الطلاق‏,‏ أو على وقت الطلاق‏,‏ واختلفا في وقت الولادة‏,‏ فالقول قولها لأن الأصل عدم الولادة إذ ذاك‏.‏

أسلم إليه في لحم‏,‏ فجاء به فقال المسلم‏:‏ هذا لحم ميتة‏,‏ أو مذكى مجوسي‏,‏ وأنكر المسلم إليه‏,‏ فالقول قول المسلم القابض قطع به الزبيري في المسكت والهروي في الإشراف والعبادي في آداب القضاء وقال‏:‏ لأن الشاة في حال حياتها محرمة‏,‏ فيتمسك بأصل التحريم إلى أن يتحقق زواله‏.‏

اشترى ماء‏,‏ وادعى نجاسته‏,‏ ليرده فالقول قول البائع لأن الأصل طهارة الماء‏.‏ ادعت الرجعية امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة صدقت ولها النفقة لأن الأصل بقاؤها‏.‏

وكل شخصا في شراء جارية‏,‏ ووصفها فاشترى الوكيل جارية بالصفة‏,‏ ومات قبل أن يسلمها للموكل‏,‏ لم يحل للموكل وطؤها‏;‏ لاحتمال أنه اشتراها لنفسه‏.‏ وإن كان شراء الوكيل الجارية بالصفات الموكل بها ظاهرا في الحل‏,‏ ولكن الأصل التحريم‏,‏ ذكره في الإحياء‏.‏

قاعدة‏:‏ الأصل براءة الذمة‏.‏

ولذلك لم يقبل في شغل الذمة شاهد واحد‏,‏ ما لم يعتضد بآخر‏,‏ أو يمين المدعي‏,‏ ولذا أيضا كان القول قول المدعى عليه‏,‏ لموافقته الأصل‏.‏

وفي ذلك فروع‏:‏

منها‏:‏ اختلفا في قيمة المتلف‏,‏ حيث تجب قيمته على متلفه‏,‏ كالمستعير‏,‏ والمستام‏,‏ والغاصب‏,‏ والمودع المتعدي فالقول قول الغارم‏,‏ لأن الأصل براءة ذمته مما زاد‏.‏

ومنها‏:‏ توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل‏,‏ لا يقضى بمجرد نكوله‏,‏ لأن الأصل براءة ذمته بل تعرض على المدعي‏.‏

ومنها‏:‏ من صيغ القرض‏:‏ ملكتكه على أن ترد بدله‏,‏ فلو اختلفا في ذكر البدل‏,‏ فالقول قول الآخذ‏;‏ لأن الأصل براءة ذمته‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال الجاني‏:‏ هكذا أوضحت‏,‏ وقال المجني عليه بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما‏,‏ صدق الجاني لأن الأصل براءة ذمته‏.‏

لطيفة‏:‏

قال ابن الصائغ فيما نقلته من خطه‏:‏ نظير قول الفقهاء ‏"‏إن الأصل براءة الذمة‏,‏ فلا يقوى الشاهد على شغلها ما لم يعتضد بسبب آخر ‏"‏قول النحاة ‏"‏‏:‏ الأصل في الأسماء الصرف فلا يقوى سبب واحد على خروجه عن أصله حتى يعتضد بسبب آخر‏.‏

قاعدة‏:‏ أصل ما انبنى عليه الإقرار إعمال اليقين وإطراح الشك وعدم استعمال الغلبة

قال الشافعي‏:‏ رضي الله عنه‏:‏ أصل ما انبنى عليه الإقرار أني أعمل اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة‏.‏

وهذه قاعدة مطردة عند الأصحاب‏,‏ ومرجعها إلى أن الأصل براءة الذمة‏,‏ كقولهم فيما لو أقر أنه وهبه وملكه لم يكن مقرا بالقبض لأنه ربما اعتقد أن الهبة لا تتوقف على القبض‏,‏ وأصل الإقرار البناء على اليقين‏.‏

فلو أقر لابنه بعين فيمكن تنزيل الإقرار على البيع وهو سبب قوي يمنع الرجوع‏,‏ وعلى الهبة فلا يمنع الرجوع‏,‏ فأفتى أبو سعيد الهروي بإثبات الرجوع‏,‏ تنزيلا على أقل السببين وأضعف الملكين‏,‏ وأفتى أبو عاصم العبادي بعدمه لأن الأصل بقاء الملك للمقر له‏.‏ وحكى الرافعي عن الماوردي والقاضي أبي الطيب موافقة أبي سعيد ثم قال‏:‏ ويمكن أن يتوسط فيقال إن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالأمر كما قال القاضيان‏,‏ وإن أقر بالملك المطلق فالأمر كما قال العبادي وقال النووي في فتاويه‏:‏ الأصح المختار‏,‏ قول الهروي وقبول تفسيره بالهبة ورجوعه مطلقا‏.‏

ومن الفروع‏:‏

أن إقرار الحاكم بالشيء إن كان على جهة الحكم كان حكما‏,‏ وإن لم يكن بأن كان في معرض الحكايات والإخبار عن الأمور المتقدمة لم يكن حكما‏.‏ قاله الرافعي في أواخر الإقرار‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ وهذا من القواعد المهمة‏.‏ قال‏:‏ فإذا شككنا في ذلك لم يكن حكما لأن الأصل بقاؤه على الإخبار وعدم نقله إلى الإنشاء‏.‏

ومنها لو أقر بمال أو مال عظيم أو كثير أو كبير قبل تفسيره بما يتمول‏,‏ وإن قل‏,‏ ولو قال‏:‏ له عندي سيف في غمد أو ثوب في صندوق‏,‏ لا يلزمه الظرف‏,‏ أو غمد فيه سيف‏,‏ أو صندوق فيه ثوب‏,‏ لزمه الظرف وحده‏,‏ أو خاتم فيه فص لم يلزمه الفص‏,‏ أو عبد على رأسه عمامة‏,‏ لم تلزمه العمامة‏,‏ أو دابة في حافرها نعل‏,‏ أو جارية في بطنها حمل‏,‏ لم يلزمه النعل والحمل‏.‏

ولو أقر له بألف ثم أقر له بألف في يوم آخر‏,‏ لزمه ألف فقط أو بأكثر دخل الأقل في الأكثر‏,‏ وفروع القاعدة كثيرة‏.‏

تنبيه

سئل السبكي عن اتفاق الأصحاب على أن من قال‏:‏ له علي دراهم‏,‏ يلزمه ثلاثة‏,‏ ولم يقل بلزوم درهمين مع أن بعض أصحابنا قال‏:‏ إن أقل‏,‏ الجمع اثنان وإن كان المشهور أنه ثلاثة‏,‏ فلم لا قيل بلزوم درهمين على كلا القولين‏,‏ بجواز أن يكون تجوز وأطلق الجمع على الاثنين‏,‏ فإن ذلك مجاز شائع بالاتفاق من القائلين بالمنع‏,‏ مع أن الإقرار مبني على اليقين‏؟‏‏.‏

فأجاب بأن الإقرار إنما يحمل على الحقيقة‏,‏ واحتمال المجاز لا يقتضي الحمل عليه‏;‏ إذ لو فتح هذا الباب لم يتمسك بإقرار‏.‏ وقد قال الهروي‏:‏ إن أصل‏,‏ هذا ما قاله الشافعي أنه يلزم في الإقرار باليقين وظاهر المعلوم‏,‏ وهو الظن القوي ولا يلزم بمجرد الظن‏,‏ كما لا يلزم في حال الشك‏,‏ إذ الأصل براءة الذمة‏.‏ هذه عبارته قال‏:‏ وهذا الذي قاله الهروي صحيح واحتمال إرادة المجاز دون الشك لأنه وهم‏,‏ فكيف يعمل به‏.‏ بل لو قال‏:‏ أردت بقولي ‏"‏دراهم‏"‏ درهمين لم يقبل‏,‏ لكن له تحليف غريمه‏,‏ وكون الإقرار مبنيا على اليقين لا يقدح في هذا‏;‏ لأن هذا يقين فإنه موضوع اللفظ لغة‏,‏ وليس المراد باليقين القطع ولو أريد القطع‏,‏ فقد تقدم في كلام الهروي أنه يأخذ باليقين وبالظن القوي‏,‏ وحمل اللفظ على المجاز إنما يكون لقرينة‏,‏ أما بغير قرينة فيحمل على الحقيقة قطعا‏,‏ وهذا هو المراد باليقين انتهى‏.‏

قاعدة‏:‏ من شك هل فعل شيئا أولا‏؟‏ فالأصل أنه لم يفعله‏.‏

ويدخل فيها قاعدة أخرى‏:‏ من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل لأنه المتيقن‏,‏ اللهم إلا أن تشتغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين‏.‏

وهذا الاستثناء راجع إلى قاعدة ثالثة‏,‏ ذكرها الشافعي رضي الله عنه وهي‏:‏ أن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين‏.‏

فمن فروع ذلك‏:‏

شك في ترك مأمور في الصلاة‏:‏ سجد للسهو أو ارتكاب فعل منهي فلا يسجد‏;‏ لأن الأصل عدم فعلهما‏.‏

ومنها‏:‏ سها وشك‏:‏ هل سجد للسهو‏؟‏ يسجد‏.‏

ومنها‏:‏ شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن‏,‏ وجبت إعادته‏,‏ فلو علمه وشك في عينه أخذ بالأسوأ‏,‏ فإن احتمل أنه النية وجب الاستئناف‏,‏ فلو ترك سجدة وشك‏,‏ هل هي من الركعة الأخيرة أو غيرها‏,‏ لزمه ركعة لاحتمال أن تكون من غيرها‏,‏ فتكمل بركعة تليها ويلغو باقيها‏.‏

ولو شك في محل سجدتين أو ثلاث‏,‏ وجب ركعتان لاحتمال ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية‏,‏ فيكمل الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة ويلغو الباقي‏,‏ وكذا لو انضم إلى ذلك ترك سجدة أخرى‏,‏ هكذا أطبق عليه الأصحاب‏.‏

وأورد على ذلك أن الصواب في الثلاث‏:‏ لزوم ركعتين وسجدة‏,‏ لأن أسوأ الأحوال أن يكون المتروك السجدة الأولى من الركعة الأولى‏,‏ والثانية من الثانية‏,‏ وواحدة من الرابعة فيبقى عليه من الركعة الأولى الجلوس بين السجدتين‏,‏ والسجدة الثانية فلما قدرنا أنه ترك السجدة الثانية من الركعة الثانية‏,‏ لم يمكن أن يكمل لسجدتها الأولى الركعة الأولى لفقدان الجلوس بين السجدتين قبلها‏.‏ نعم بعدها جلوس محسوب‏,‏ فيحصل له من الركعتين ركعة إلا سجدة فيكملها بسجدة من الثالثة ويلغو باقيها‏,‏ ثم ترك واحدة من الرابعة فيبقى عليه ركعتان وسجدة‏.‏

وقد اعتمد الأصفوني هذا الإيراد في مختصر الروضة‏,‏ والأسنوي في تصحيح التنبيه‏,‏ وقال في شرح المنهاج‏:‏ إنه عمل عقلي واضح لا شك فيه‏.‏

وأجاب عنه النشائي‏:‏ بأن هذا خلاف التصوير فإنهم حصروا المتروك في ثلاث سجدات‏,‏ وهذا يستدعي ترك فرض آخر‏,‏ واتفاقهم على أن المتروك من الأولى واحدة يبطل هذا الخيال‏.‏

وذكر ابن السبكي في التوشيح‏:‏ أن والده وقف على رجز له في الفقه‏,‏ وفيه اعتماد هذا الإيراد فكتب على الحاشية‏:‏ لكنه مع حسنه لا يرد‏;‏ إذ الكلام في الذي لا يفقد إلا السجود فإذا ما انضم له ترك الجلوس‏,‏ فليعامل عمله‏.‏

وإنما السجدة للجلوس *** وذاك مثل الواضح المحسوس‏.‏

ولو شك في محل أربع سجدات لزمه سجدة وركعتان لاحتمال أن يكون ترك سجدتين من الأولى وسجدة من الثالثة وأخرى من الرابعة‏.‏

وعلى ما تقدم من الاستدراك يجب سجدتان وركعتان لاحتمال ترك الأولى من الأولى والثانية من الثانية وثنتين من الرابعة‏.‏ فحصل من الثلاث ركعة ولا سجود في الرابعة‏,‏

ولو شك في محل خمس سجدات‏,‏ لزمه ثلاث ركعات لاحتمال ترك سجدتين من الأولى وسجدتين من الثالثة‏,‏ وسجدة من الرابعة‏.‏

ومنها لو شك‏,‏ هل غسل ثنتين أو ثلاثة‏؟‏ بنى على الأقل وأتى بالثالثة‏,‏ وقال الجويني‏:‏ لا لأن ترك سنة أهون من فعل بدعة‏,‏ ورد بأنها إنما تكون بدعة مع العلم بأنها رابعة‏.‏ ومنها شك‏,‏ هل أحرم بحج أو عمرة‏,‏ نوى القران ثم لا يجزيه إلا الحج فقط لاحتمال أن يكون أحرم به‏,‏ فلا يصح إدخال العمرة عليه‏.‏

ومنها شك‏,‏ هل طلق واحدة أو أكثر‏,‏ بنى على الأقل‏.‏

ومنها‏:‏ عليه دين‏,‏ وشك في قدره‏,‏ لزمه إخراج القدر المتيقن كما قطع به الإمام‏,‏ إلا أن تشتغل ذمته بالأصل‏,‏ فلا يبرأ إلا مما تيقن أداءه‏,‏ كما لو نسي صلاة من الخمس‏,‏ تلزمه الخمس‏.‏

ولو كان عليه زكاة بقرة وشاة وأخرج أحدهما وشك فيه وجوبا‏,‏ قاله ابن عبد السلام قياسا على الصلاة‏,‏ وصرح به القفال في فتاويه فقال‏:‏ لو كانت له أموال من الإبل والبقر والغنم وشك في أن عليه كلها أو بعضها لزمه زكاة الكل لأن الأصل بقاء زكاته‏,‏ كما لو شك في الصيام وقال‏:‏ أنا شاك في العشر الأول هل علي صوم كله أو ثلاثة أيام منه وجب قضاء كله ولو اتخذ إناء من فضة وذهب‏,‏ وجهل الأكثر ولم يميزه‏,‏ وجب أن يزكي الأكثر ذهبا وفضة‏.‏

ولو كانت عليها عدة وشكت‏,‏ هل هي عدة طلاق أو وفاة‏؟‏ لزمها الأكثر‏,‏ وإنما وجب الأكثر في هذه الصورة لأن المكلف ينسب إلى القصير‏,‏ بخلاف من شك في الخارج أمني أم مذي‏؟‏ حيث يتخير‏.‏ ولو كان عليه نذر وشك‏:‏ هل هو صلاة أو صوم أو عتق أو صدقة‏؟‏ قال البغوي في فتاويه‏:‏ يحتمل أن يقال‏:‏ عليه الإتيان بجميعها‏,‏ كمن نسي صلاة من الخمس‏,‏ ويحتمل أن يقال‏:‏ يجتهد بخلاف الصلاة‏,‏ لأنا تيقنا هناك وجوب الكل‏,‏ فلا يسقط إلا بيقين وهنا لم يجب إلا شيء واحد واشتبه‏,‏ فيجتهد كالقبلة والأواني‏.‏

ولو حلف وشك‏:‏ هل حلف بالله تعالى‏,‏ أو الطلاق أو العتق‏,‏ قال الزركشي‏:‏ ففي التبصرة للخمي المالكي‏:‏ أن كل يمين لم يعتد الحلف بها لا تدخل في يمينه مع الشك‏.‏ قال‏:‏ وقياس مذهبنا أن يقال‏:‏ إذا حنث لا يقع الطلاق لأنه لا يقع بالشك‏.‏

وأما الكفارة فيحتمل أن لا تجب في الحال لعدم تحقق شغل الذمة‏,‏ ويحتمل أن تجب في الحال‏,‏ فإذا أعتق برئ‏;‏ لأنها إن كانت بالله أو الظهار أو العتق‏,‏ فالعتق تجزئ في كلها ولا يضر عدم التعيين بخلاف ما لو أطعم أو كسا‏.‏ قلت‏:‏ الاحتمال الأول أرجح‏,‏

ونظيره ما لو شك في الحد‏,‏ أرجم أو جلد‏,‏ فإنه لا يحد بل يعزر كما قرره ابن المسلم‏:‏ أن التردد بين جنسين من العقوبة إذا لم يكونا قتلا‏,‏ يقتضي إسقاطهما والانتقال إلى التعزير‏,‏وسيأتي في أحكام الخنثى‏.‏

ومنها رجل فاتته صلاة يومين فصلى عشر صلوات‏,‏ ثم علم ترك سجدة لا يدري من أيها‏.‏ أفتى القاضي حسين بأنه يلزمه إعادة صلوات يوم وليلة‏,‏ وهو قياس قوله فيمن ترك صلوات لا يدري عددها‏:‏ أنه يجب القضاء إلى أن يتيقن إتيانه بالمتروك‏,‏ وقال ابن القطان في المطارحات‏:‏ الصحيح الاكتفاء بواحدة‏,‏ فبإعادتها يصير شاكا في وجوب الباقي فلا يلزمه بالشك وجوب إعادة الباقي‏,‏ وهو قياس قول القفال في تلك‏:‏ يكتفي بقضاء ما يشك بعده‏:‏ في أنه هل بقي في ذمته شيء‏.‏